الدكتور محمد عمر أبو ضيف القاضي
كل من نفق سوقة، وأراد أن يملأ كيسه، أو قلّ حظه من الشهرة، وضعف نصيبه من الصيت؛
ركب سفينة الدين، وعلا مطيته، وليته فعلها بأدب! أو احترام – كما ينبغي-، لكنه يتطاول، ويستهزأ، ويسب، ويزدري الشعائر، ويختلق أكاذيب، ليس لها حظ من واقع، وليس فيها لمحة من صدق، وهي خطة فساد وإفساد، تواطأ عليها مجموعة من السفهاء لو آخذنا الله بفعلهم، وعاملنا بكسبهم؛ لدمم علينا البلاد، ولأطبق علينا الجبال، وخسف بنا الأرض، فها هو أحدهم كان فاشلا في دراسته -كما صرح بلسانه-، ولكنه استطاع بحكم منصبه أن يتصدر المشهد في كل اكتشاف أثري، وينسب لنفسه مجهودات غيره؛ فاشتهر لذلك سنينا، وتوسد ما ليس له، ونال من المراكز المادية والأدبية ما لا يحق له، وظل على ذلك عقودا، متشبعا بما لم يعط، وفرحا بما يلبسه من ثياب الزور، حتى خفتت عنه الأضواء، وزالت عنه الشهرة، ورأي أمثاله الكثيرين يشتهرون، ويملؤن الدنيا، ويشغلون الناس بالسفاسف، والهيافات، والأمور الصغار؛ فحزن على نفسه، وتذكر ماضي أيامه، وأراد أن يرجع كما كان، لكن الزمان قد تولي، ومحال أن يعود ما مضى، وقد تركه المنصب، ولن يستطيع أن يصنع ما كان يصنع؛ فلم يجد أيسر من أن يهاجم الكلأ المباح، والحمى المستباح، دين الإسلام وشعائره، فهاجم الشعيرة الظاهرة الكبيرة الآذان، ولم يستطع أن يتحدث عن نفسه حتى لا يسلقه الناس بألسنة حداد، تفضح سريرته وتهتك ستره وسيرته، فكذب على السياح، وكانت كذبته بلقاء مشهورة، وقام أفاضل كثر من الذين يعملون في السياحة ومع السياح منذ عقود؛ فنفوا كلامه جملة وتفصيلا، وكذبوا ادعاءه، وبينوا بهتانه وافتراءه، وأنه ما سمعوا قط من سائح اعتراضه على آذان- لا يتجاوز أطول شيخ نفسا خمس دقائق- يعلم المسلمين في بلد مسلم بدخول وقت صلاته، ولا رأوا في وجوه السائحين كراهة، لعل الأبعد يُخزى ويستحي – وإن كنت أشك – فليس عنده وعند أمثاله ما يجري في عروق الأسوياء من دماء، وما عندهم من حياء.
ويكفي الآذان فضلا أنه: الشعيرة الظاهرة، التي تتردد كل يوم خمس مرات على مدار التاريخ الإسلامي، لم تنقطع في الدنيا مذ جاء الإسلام، ولن تنقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولها في الدين مكانة غالية ورتبة عالية، منها : يقول سيدنا – صلى الله عليه وسلم-: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه؛ لاستهموا”، ويقول أيضا: “لا يسمع صوته شجر، ولا مدر، ولا حجر، ولا جن، ولا إنس إلا شهد له”، و”المؤذن يغفر له مد صوته، ويشهد له كل رطب ويابس”، وفي رواية: “وله أجر من صلى معه” وهو من أكبر ما يزعج عدو البشرية – الشيطان الرجيم-؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم:” إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ظراط؛ حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلي”، ويقول سيدنا عليه الصلاة والسلام: “المؤذنون أطول الناس أعناقنا يوم القيامة” ويقول صلى الله عليه وسلم: “عجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل، يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله – عز وجل-: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذن يقيم الصلاة، يخاف مني؛ قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة”.
ويقول سيدنا – عليه الصلاة والسلام-: “من أذن اثنتي عشرة سنة؛ وجبت له الجنة، وكتب له بكل أذان ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة”. ويقول أيضا: ” إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة؛ فليتوضأ، فإن لم يجد ماء؛ فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن إذن وأقام صلى خلفه من جنود الأرض ما لا يرى طرفاه”….
ومن جمال الآذان وكماله وأهميته؛ أنه اشتمل على العقيدة؛ فبدأ بالتكبير، وهو يتضمن وجود الله – تعالى- وكماله، الذي لا يتناهى، ثم ثني بالتوحيد، ونفى الشريك مع الله تعالى، ثم إثبات رسالة سيدنا – رسول الله صلى الله عليه وسلم-، ثم دعا إلى أعظم طاعة عقيب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تعرف هذه العبادات إلا من جهة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم-، ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود، وفيه الإشارة إلى المعاد ويوم القيامة، والوقوف بين يدي الله والحساب؛ ليحسن المرء أخلاقه، وأقوال، وأفعاله، ثم أعاد ما التكبير؛ ليطمئن القلوب بأن الله أكبر من كل شيء في الدنيا؛ ليطاع وحده، ولا يُعصي، ويُشكر ولا يُكفر، وينتهي بتوحيده ؛ لأنه أصل الأصول، ومن اعتقده، فكل ذنب عنده مغفور، فالله يغفر كل شيء إلا الشرك به.
فهل نترك يقين ما عندنا، وهذه الكنوز، بل وهويتنا وعلامتنا المميزة لكذب وبهتان الأفاكين والمدلسين والعلمانين والملاحدة ؟! ، لا، لن يكون، بل يزيدوننا استمساكا بشعائرنا التي تغيظ شياطين الجن والإنس.