جريدة السوهاجية

جريدة السوهاجية | صوت من لا صوت له

الدكتور محمد القاضي يكتب: لعنة الاحتكار!

بقلم الدكتور محمد عمر أبو ضيف القاضي

يعيش العالم معاناة كبيرة وغلاء شديدا؛ بما كسبت أيدي الناس، مع انعدام القيم، وغلبة المصلحة الذاتية، والقيم الأنانية، والأمراض النرجسية، والنزعة السادية على الحضارات التي تتسيد الأرض، ومما زاد البلاء ، وجعله يستفحل، وعنَّت الناسَ أن أبناء الجلدة الواحدة، ومن يتكلمون بلسان واحد، ويدينون بدين واحد، قست قلوبهم على بعضهم! ، وصاروا كالضواري، ووحوش البراري، يفتك القوي بالضعيف، واستغلوا الأزمة في تكثير الأموال، واستثمروا المعاناة؛ ليثروا على حساب : الفقراء، والضغفاء، والمساكين، وذوي الحاجة، وظهر بشراسة الاحتكار، وهو: حبس التجار لطعام الناس وأقواتهم عند قلتها، وشدة احتياج الناس إليها؛ لكي يرتفع السعر، ويغلى الثمن.

وما دام يضر بالناس؛ فقد اتفق العلماء على تحريمه، ونبينا – صلى الله عليه وسلم- حرمه وجرمه، في المستدرك وغيره، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى: أن يحتكر الطعام.
وفي المسند وغيره، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه.

وسمي الذي يحتكر خاطئا، وهو المجرم المتعمد، فلم يعمل السوء بجهالة، ولا صنع الفعل بسهو أو خطأ؛ ليكون مخطئا، بل هو خاطئ، وسيكون ملعونا، ففيما أخرجه مسلم وغيره أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحتكر إلا خاطئ.. وفي المستدرك أنه – صلى الله عليه وسلم- قال: المحتكر ملعون.
وإذا ترتب على هذا – وهو حاصل – جوع لنفس أو مسغبة لإنسان؛ فقد صار الجميع في ذنب عظيم، فكما في المستدرك… وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع؛ فقد برئت منهم ذمة الله.

ولهذا فإن ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) عد الاحتكار من الكبائر؛ بناء على هذا الوعيد الوارد في هذه الأحاديث وما شابهها.

ولا بد أن ننتبه إلى أمر غاية في الأهمية والضرورة – سيما هذه الأيام- وهو أن التجار إذا احتكروا ما يحرم احتكاره ؛ فإن على الحكومة أن تأمرهم بإخراج ما احتكروه، وبيع ما خزنوه للناس، فإن لم يمتثلوا ذلك؛ أجبرتهم على البيع إذا خيف العنت والضرر على العامة-وهو حاصل-، أو تأخذ الحكومة هذه السلع منهم، وتبيعها للناس، وترد عليهم الثمن.

ونذكر الجميع بحديث مهم في هذا الباب، فيه من الوعيد ما يشيب الرؤوس، ويزلزل النفوس، ويرعب القلوب، ويزجر من عنده مسكة من عقل، أو ذرة من فهم وهو ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند جيد، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثَقُلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ يَا مَعْقِلُ أَنِّي سَفَكْتُ دَمًا؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي دَخَلْتُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ، قَالَ: أَجْلِسُونِي، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعْ يَا عُبَيْدَ اللهِ حَتَّى أُحَدِّثَكَ شَيْئًا لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً، وَلَا مَرَّتَيْنِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ .
ولله الأمر.