جريدة السوهاجية

جريدة السوهاجية | صوت من لا صوت له

الدكتور محمد القاضي يكتب: رمضان زاد العام (2)

الدكتور محمد عمر أبوضيف القاضي

إن شهر رمضان قد أثبت للمسلم أنه قادر على أن يكبح جماح نفسه، مستطيع أن يسيطر على هواه، بالدليل الواقعي القاطع، والبرهان العملي الساطع ؛ فقد استطاع ذلك لمدة شهر كامل، وهذا للمسلم العادي فقد صام الشهر – بعون الله تعالى- مانعا نفسه من الطعام رغم الجوع، ومن الماء رغم العطش والحر، وحصر نفسه عن النساء ، وزوجه بين يديه ، وهذا أدنى درجات الإيمان بالنسبة للمسلم، فإذا ما زاد إيمانه؛ ظهرت منه أفعال كريمة، وصدرت عنه أعمال عظيمة؛ فصار لا يتحدث إلا بخير ، ولسانه يدور بين: تسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، أو سماع الله تعالى بتلاوة القرآن الكريم، أو بالحديث مع الله والتشرف بالوقوف بين يديه؛ بكثرة صلاة النوافل وقيام الليل، وصار في حال الملائكة الكرام، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، بل يطيعون الله ولا يعصون، ويسبحون، ويحمدون، ويهللون، ويكبرون، ويركعون، ويسجدون .

كما صح عن نبينا – صلى الله عليه وسلم- : “أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله…” (سنن الترمذي ٢٣١٢) ،بل وله من الأعمال ما ليس للملائكة، من مثل: الصدقات وإطعام للطعام، وإفطار الصوم، وصلة الأرحام، والسعي في الخيرات، كالصلح بين المتشاحنين، وإصلاح ذات بين المتخاصمين…

والقدرة على هذا الأمر لمدة شهر، تعطي للإنسان حافزا كبيرا على أنه يستطيع الإكمال لأكثر من هذا، والاستمرار على هذه الحالة مدة أطول، فيأخذ زادا من هذا الشهر لبقية العام، وهذا كان عمل الأكارم الأبرار أهل الإسلام الذين طبقوه حق تطبيقه، فقد ربطوا حياتهم بهذا الشهر الكريم؛ لما يجدونه فيه من: خيرات، وبركات، وتربية نفسية، وراحة بدنية، ورقي سلوكي، وسمو أخلاقي، وزاد على هذا: أن الموفق فيه ربما يخرج بالفوز العظيم وهو العتق من النار، كما في حديث سيدنا أبي هريرة (سنن الترمذي ت شاكر (3/ 57)، (سنن ابن ماجه (1/ 526))”… وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ” ومن علامات العتق، أنه يظل على حالة سلوكية راقية بعد رمضان، فلا يرتكس في مواقع المعاصي، ولا ينتكس، ويرجع إلى الذنوب، بل يظل كما كان في رمضان، ماسكا زمام نفسه، محكما قيدها، سائرا بها في أفعال الخيرات، ساعيا بها في دروب الطاعات .

وحاله بعد رمضان أفضل من حاله قبله، وأحسن مما كان في رمضان أو مماثل له، لأن الله كريم إذا أعتق عبدا من النار فلا يرجعه لها، وهذا يحتاج أمام الخلق دليل من سلوكه، وبرهان من عمله، وشاهد من فعله .

فقد ورد عن السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة شهور أن يبلغهم رمضان وبعد انتهائه يدعون الله أن يتقبله منهم…قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم ( لطائف المعارف لابن رجب ١٤٨). وقد أخذوا هذا الفهم من النبي صلى الله عليه وسلم والذي جاء عنه أنه كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”(خرجه الطبراني وغيره، ينظر الجامع الصغير للسيوطي 6660) .

ووردبريس › خطأ

كان هناك خطأ فادح في هذا الموقع.

معرفة المزيد حول استكشاف الأخطاء في ووردبريس.