جريدة السوهاجية

جريدة السوهاجية | صوت من لا صوت له

الدكتور محمد القاضي يكتب: دع السيلفي .. وكن مع الله

بقلم : الدكتور محمد عمر أبو ضيف القاضي

في زمن صار كل شيء للعرض، وكل عمل للنشر، حتى العبادة للتصوير ، وضاعت عبادة الخفاء ، وانتهت طاعة السر ، وتصدر المشهد المنافقون، وظهر بقوة المدعون، وعلا صوت الكذابون، وقتل الناس الإخلاص على (السويشيال ميديا)، وفقدوا عنوان الصدق في متاهات (النت) ، واندثر الإيمان، وضاع أجر العمل حرصا على الإعجابات، وطلبا للتعليقات، ومدح وثناء رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وخربت السرائر، واتبع الناس المظاهر، فارتفعت البركة وكثرت الشكوي، وزاد ضنك العيش، وهذا ما كان يخافه السلف ؛ فقد كانوا يخافون ظهور الطاعات، ويسترون الحسنات ، ويجتهدون في إخفاء أعمالهم الصالحات ، يقول الحسن: “ولقد أدركنا أقواما ، ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر؛ فيكون علانية أبدا”.

وقد كانوا يرون: أن سبب الفلاح، وعمود الصلاح، وارتفاع المكانة، والعلو في الدنيا، والنجاة في الآخرة، هو الأعمال المستترة، وخبايا الفعال، قال أحمد بن حنبل:”ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له”.

وقال ابن الجوزي:”ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون السريرة”.

ويرون أن إصلاح السرائر، هو لسان الصدق في المعاصرين والأخرين، والسبب الرئيس في حسن الذكر بين العالمين، وجميل الأحدوثة بين الناس أجمعينَ ، قال ابن الجوزي: “من أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في إصلاح السرائر؛ فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح الظاهر”.

وإذا تمكن الإنسان من تنظيف سريرته، وأصلح لله نيته، وأخلص لربه طويته، وعمل العمل لوجه الله وحده ، فإن الله يظله بستره الجميل، وينشر فضله للسامعين، ويستر زلله عن المتربصين، قال ابن الجوزي: ” ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﺨﻔﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻬﺎ ﻭﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻟﻪ ﺫﻧﺒﺎ، ﻭﻻ ﻳﺬﻛﺮﻭﻧﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﺳﻦ، ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺭﺑﺎ ﻻ ﻳﻀﻴﻊ ﻋﻤﻞ ﻋﺎﻣﻞ.

ﻭﺇﻥ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺘﻌﺮﻑ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺗﺤﺒﻪ، ﺃﻭ ﺗﺄﺑﺎﻩ، ﻭﺗﺬﻣﻪ، ﺃﻭ ﺗﻤﺪﺣﻪ ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻛﻞ ﻫﻢ، ﻭﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﻛﻞ ﺷﺮ.

ﻭﻣﺎ ﺃﺻﻠﺢ ﻋﺒﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺍﻟﺤﻖ، ﺇﻻ ﺍﻧﻌﻜﺲ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ ﻭﻋﺪ ﺣﺎﻣﺪﻩ ﺫﺍﻣﺎ.

من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح آخرته أصلح الله له دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس”.

فمن أراد صلاح دنياه، والنجاة في أخراه؛ فليعامل مولاه، فكن مع الله ، فالأمر لله وبالله.

ووردبريس › خطأ

كان هناك خطأ فادح في هذا الموقع.

معرفة المزيد حول استكشاف الأخطاء في ووردبريس.